"ما كنت تعلمها أنت ولا قومك".. كتاب جديد للدكتور سامي عامري في معركة الإيمان والإلحاد
- السبت 03 مايو 2025
الآية الكريمة
قال الباحث في ملف
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، الدكتور محمود عبد الله نجا، استاذ بكلية طب
جامعة المنصورة، إنع لم يحدث أن اختلف البشر حول خلق أحد كما اختلفوا حول خلق المسيح
عيسى بن مريم، فاليهود قالوا ولد زنا، والنصارى قالوا إله وابن إله، ثم جعلوا له أب
أرضي، فحيرونا معهم هل حملت مريم بإله، أم بإنسان، هل بزواج أم بمعجزة؟!. فجاء الإسلام
فأنصف عيسى عليه السلام، وأظهر براءة مريم من الزنا، فقال بأن خلقه مُعجز كخلق آدم،
وهو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها لمريم وروح منه، فكان هذا هو مُعتقد المسلمين لقرون
طويلة.
وتابع كولكن ظهر في زماننا
أُناس من أهل الإسلام زعموا فهم كيفية خلق عيسى بقوانين العلم، فألفوا قصص خيالية لكيفية
إنتاج ذكر من أنثى، برغم إختلاف التركيب الوراثي، فليس الذكر كالأنثى، فافتروا على
الله الكذب، وأضاعوا المُعجزة التي لا يمكن تفسيرها بالعلم، ومن هذه القصص:
١.
تلقيح نُطفة مريم بحيوان منوي مجهول المصدر، حيث شبه البعض الكلمة التي ألقاها الله
لمريم باللقاح، فأصبح لعيسى أب، ونطفة أمشاج.
٢.
توالد بكري (عذري) من بويضة مريم فقط، نثل خلق ذكور النحل بكرياً (parthogenesis
= virgin birth)،
فجعلوا بويضة مريم الغير مخصبة كافية لخلق عيسى كما يحدث عند خلق ذكور النحل من بويضة
غير مخصبة.
٣.
الإستنساخ من بويضة مريم بعد تعديلها وراثياً بتحويل الكروموسوم X إلى Y، أو من خلايا مريم الجسدية بعد تعديلها وراثياً
لتصبح XY،
بدلاً من XX.
أو أن مريم عندها خلل وراثي فشكلها أنثى وتركيبها الوراثي ذكر XY، وبالتالي يسهل الإستنساخ من خلاياها ذات التركيب
الوراثي الذكري.
وأردف قائلا: إن الرد على
التفسيرات العلمية الباطلة لخلق عيسى، تتمثل في عدة نقاط أبرزها :
١.
شبه الله طريقة خلق عيسى المجهولة، بطريقة خلق آدم المعلومة لنا، الخلق المُباشر من
تراب، وبدون أمشاج، فقال الله (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب)، فمن قال
بخلق عيسى من نطفة مريم، أو من خلاياها، أو شبه خلق عيسى بذكور النحل، او بكائن آخر
يتكاثر بالإستنساخ (تكاثر لا جنسي) فقد خالف المثل المضروب لتشبيه خلق عيسى بخلق بآدم.
٢.
وصف الله مريم بأنها مُطهرة، فهل في ذلك إشارة بأنها مُطهرة من الحيض والنفاس، قال
الله (إن الله اصطفاك وطهرك، واصطفاك على النساء العالمين)، وقد اتفقت التفاسير على
تطهير مريم من كافة الأدران والآفات. والذي يظهر من تدبر مُصطلح الطُهر في القرآن أنه
مادي، ومعنوي، ومن الطهر المادي أنه لا حيض لها ولا نفاس، قال بذلك القرطبي، والبغوي،
والرازي. ومما يؤكد ذلك، أن الطهر ضد الحيض في قول الله (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ
فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ)، وزوجات الجنة مطهرات،
أي لا حيض لهن ولا نفاس، قال الله (لهم فيها أزواج مُطهرة). والتي لا تحيض طول عمرها،
فلا بويضة لها، فالحيض مقترن بالتبويض، فلعل الله ذكر تطهير مريم لينفي خلق عيسى من
نطفة مريم، والله أعلم.
٣.
حتى لو إفترضنا أن مريم تحيض ولها بويضة، وهو أمر يحتاج دليل ينفي الدليل السابق، فقد
صرح الله بنفى خلق عيسى بمني الذكور حين سألت مريم الملك بإستنكار (أنى يكون لي غلام
ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا)، فقال الملك نافياً أن يكون حملها من هذا الطريق (كذلك
قال ربك هو علي هين). قال الطبري: إنه لأمر هين على الله أن يهب لك غلام من دون فحل.
فنفى الله أن يكون غلام مريم له أب أو أن يكون حملها كحمل باقي النساء.
٤.
النصوص التي ذكرت خلق عيسى تشير لكونه جاء من خارج مريم، فالقرآن ذكر نفختان، واحدة
فى فرجها (أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا)، والأخرى فيها (أخصنت فرجها فنفخنا فيها
من روحنا)، والتفخ ياتي بشيء من خارج المنفوخ فيه، ولو كان النفخ لتعديل شيء من خلايا
مريم لصرح الله بذلك.
٥.
الزعم بتعديل بويضة مريم أو خلاياها لإضافة الكروموسوم الذكري، هو تأويل بالهوى ولا
دليل عليه، ولو فعله الله لصرح به فهو لا يستحي من الحق، وقد ذكر الله مراحل خلق آدم
صريحة، وكذلك مراحل خلق ذريته، وصرح بإصلاح زوجة سيدنا إبراهيم وجعلها قابلة للحمل،
وصرح بتعديل الجنين ليصل لصورة البشر (خلقك فسواك فعدلك).
٦.
بالنسبة للتوالد البكري
علمياً مُحال أن يتم خلق
إنسان من بويضة بها نصف الصبغيات اللازمة لخلق الإنسان (٢٣ كروموسوم)، وذلك لأن بروتينات
الإنسان تعتمد على جينات الأب والأم، فليست كل الصفات يمكن إنتاجها بجين واحد من الأم،
فهناك صفات تعتمد على تكامل جينات الأب مع جينات الأم، وهناك صفات وراثية تأتي من الأب
ولا تأتي من الأم، بسبب الوراثة الفوق جينية epigenetic
inheritance،
وعليه فإذا كان الله قد جعل للتوالد البكري آلية معلومة في ذكور النحل فهذه الآلية،
غير موجودة، ولا تصلح عند البشر، وللمزيد يمكن البحث على جوجل بعنوان (?Can a Virgin
Give Birth).
٧.
علمياً الإستنساخ cloning
يعطي ذرية مُشابهة للأصل، وعيسى لو تم استنساخه من مريم فلابد أن
يكون أنثى شبه مريم، وهو ما لم يحدث.
٨.
مريم بنص القرآن والسنة أنثى، فلا يصح وصفها بالأنوثة غير الكاملة أو أن خلاياها ذكرية
XY، فأمها وضعتها أنثى، والله اصطفى مريم على نساء
العالمين وليس على ذكورها، وقال النبي (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا
آسية ومريم ابنت عمران)، فعد النبي مريم من النساء، فهل علم هؤلاء الخراصون ما لم يعلمه
الله ولا رسوله.
وتسأل هل يمكن فهم حقيقة
خلق عيسى؟ لا يوجد لدينا دليل صريح نفهم منه كيفية خلق عيسى سوى قول الله (إن مثل عيسى
عند الله كمثل آدم خلقه من تراب)، ولكي نحسن فهم الآية فلابد أن ننتبه لأن آدم خلقه
الله بيديه من تراب، وبدون مادة وراثية تسبقه (أمشاج)، فيكون المثل المضروب للتشابه
بين عيسى وآدم هو في الخلق المُباشر بدون مادة وراثية (أمشاج)، سواء نطفة مريم، أو
خلاياها الجسدية، فأي دخول للمادة الوراثية من مريم لعيسى ينفي التشابه بين آدم وعيسى
في طريقة الخلق.
وتابع: أما بالنسبة لمادة
خلق عيسى، فإما أن نقول بأننا نجهل مادة الخلق، ونفوض الأمر لله فيما نجهل. أو نأخذ
المثال على ظاهره كما في الآية، فيكون عيسى كآدم في الخلق مُباشرةً من التراب، ولكن
بالخلق المباشر على صورة جنين، وحقيقة لا يمكنني الجزم بخلق عيسى من تراب، ولكن الجزم
في الخلق المباشر بدون امشاج، أما أن يكون خلق عيسى من تراب، فأقول بأنه مجرد قول مُحتمل،
وإليكم التفصيل.
١.
لو قال الله (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم)، فسكت عن بيان وجه الشبه، لكان خلق عيسى
مطابق لخلق آدم في كل شيء، ولكن الله نفى التشابه المُطلق بقوله (خلقه من تراب)، فأصبح
الخلق من تراب هو وجه الشبه، وكون عيسى نُفخ في بطن مريم فهذا وجه إختلاف آخر، حيث
نشأ عيسى جنيناً، ونشأ آدم على صورته، ولعل الله خرق ناموس خلق الذرية من نطفة أمشاج،
حين خلق عيسى شبيه للبشر، ولكن من طين علي هيئة جنين.
٢.
أول معجزة فعلها عيسى لقومه هي خلق طائر من تراب، ثم نفخ الروح فيه، فلماذا هذه المعجزة
التي لا علاقة لها بالطب وشفاء المرضى؟!. فهل عيسى كان يبين لقومه طريقة خلقه العجيبة
والمشابهة لخلق آدم، ليثبت لقومه أنه ليس ولد زنا، وأنه خلق مباشر نفخه الله في فرج
مريم ثم نفخ الله فيه من روحه، ويشهد لهذا القول آية يونان (يونس) في الإنجيل والقرآن.
في الإنجيل كثيراً ما نجد
قوم عيسى يطلبوا منه آية، فيقول لهم (جيل شرير وفاسق يطلب اية ولا تعطى له اية الا
اية يونان النبي)، فمن هو يونان، وما هي آية يونان؟
يونان هو نبي الله يونس
عليه السلام، وآية يونس أنه النبي الوحيد الذي التقمه الحوت فبقي في بطنه لفترة، ثم
خرج للدنيا.فهل عيسى يبين لقومه بهذه الآية أنه دخل لبطن مريم من فرجها، كما دخل يونس
لبطن الحوت من فرجه (الفم، وكل فتحة هي فرج)، فبقي كلاهما في بطن كائن حي بلا طعام
ولا شراب ولا نفس، وذلك بمعجزة من الله الذي حفظهما، ورعاهما حتى أخرجهما للدنيا.
وفي القرآن نجد نفس الربط
بين قصة يونس مع قصة عيسى في آيتين مُتتاليتين في سورة الأنبياء، ولعل ذلك لتشابه قصتيهما،
وإشارة لآية يونان التي ذكرها عيسى في الإنجيل، قال تعالي (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ
مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا
إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا
لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ. وَزَكَرِيَّا
إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ. فَاسْتَجَبْنَا
لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ
فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين. وَالَّتِي
أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا
آيَةً لِّلْعَالَمِين).
٣.
كما عاش يونس في بطن الحوت بلا مشيمة تغذيه، فيبدو أن عيسى كذلك، فمريم مُطهرة كما
سبق وبينت، فلا حيض لها ولا نفاس، ومعنى أنه لا نفاس لها، أي لا توجد مشيمة لعيسى يتغذى
من خلالها، وبالتالي بعد الولادة لن تنفصل المشيمة عن الرحم فيكون هناك دم نفاث، والله
أعلم. ومن استدل بأن لعيسى مشيمة بحديث البخاري (كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشَّيْطانُ
في جَنْبَيْهِ بإصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ، غيرَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَهَبَ يَطْعُنُ
فَطَعَنَ في الحِجابِ)، فقال بأن الحجاب هو كيس المشيمة فهو قول مجانب للصواب من عدة
أوجه:
الاول، مس الشيطان بعد
الولادة ومغادرة المشيمة، فيصعب القول بأن الححاب هو المشيمة، وفي رواية مسلم ان مس
الشيطان سبب في صراخ المولود، وهذا يحدث خارج البطن والمشيمة، والثاني، ولذا قال أهل
العلم بأن الحجاب ربما هو الثوب الذي يلف به المولود، والثالث، أروع تفسير للحجاب هو
ما ذكره الطبري في تفسيره من أن أم مريم دعت فقالت (أعيذها وذريتها من الشيطان)، فكان
تعوذها هو الحجاب الذي عصم عيسى من مس الشيطان.
وطرح سؤلا : كيف عاش عيسى في الرحم، وكيف تغذى وكيف تنفس، وكيف
يبقى حمله تسعة أشهر بدون مشيمة، ليقدم جوابا تمثل في أنه عاش كما عاش يونان (يونس)،
كلاهما بمعجزة من الله، ومما يدل على خلق عيسى مباشرة كجنين من تراب، أن مدة حمله كما
قال ابن عباس بضع ساعات، وقد قال المفسرون يبدو أن ابن عباس تأول فاء السرعة في قول
الله (فحملته، فانتبذت به مكانا قصيا، فأجاءها المخاض)، فالآية بهذه الكيفية تدل على
السرعة، حمل سريع، فابتعدت عن قومها مسافة عدة ساعات سير، ففاجأها المخاض، فولدت، وعادت
تحمل ولدها. وهذا السيناريو وإن خالف أغلب أهل العلم الذين قالوا حمله تسعة اشهر، إلا
انه أكثر واقعية، فلو إبتعدت مريم عن قومها تسعة أشهر لما أمكن لأحد أن يصدق أن ما
في بطنها مُعجزة لا علاقة لها بالزنا.
وتابع: كما ان تفسير ابن
عباس متوافق مع تطهير مريم، فلا حيض لها ولا نفاس، ومتوافق مع الخلق المباشر من تراب،
فأي حمل له مشيمة، يقتضي نطفة أمشاج، وأطوار، ومشيمة، وولادة يتبعها نفاس، وهو ما نفاه
الله بتطهير مريم، والله أعلم، متسائلا : كيف صارت مريم أماً لعيسى، وهو ليس من نطفتها
ولا من خلايا جسدها؟، وكيف صار عيسى من ذرية آدم؟ طبيعي جداً ان نفكر في هذا السؤال،
وخصوصاً أن الله قال عن عيسى أنه من ذرية إبراهيم، ومن ذرية آدم، والجواب في أن نسأل
هل النطفة شرط في تحقق الأمومة والنسب؟، والجواب هو لا.
وختم قائلا: ألم يقل الله
(إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم)، فكانت الأمومة بالولادة، وقال الله عن علاقة زوجات
النبي بالمؤمنين (وأزواجه أمهاتهم)، وقال الله عن النسب بالرضاعة (وأمهاتكم اللاتي
أرضعنكم)، وعليه فالنطفة ليست شرطاً في حدوث الأمومة، فيكفي لثبوت الامومة الحمل، والولادة
كما هو في حالة مريم وعيسى. ومعلوم أن ذرية البنات تدخل في ذرية الرجال، ولهذا كان
اولاد فاطمة رضي الله عنها من ذرية النبي.