مقتطف من كتاب "لن أكون ملحدًا".. د. عبد الله محمد: الكون مضبوط بدقة مذهلة تنفي العبث والصدفة
- الثلاثاء 06 مايو 2025
ردّ الدكتور محمد سيد صالح، الباحث المتخصص في ملف الإلحاد، على إحدى الشبهات المتكررة التي يثيرها المشككون حول عالمية الإسلام، والتي تتلخص في زعمهم أن الإسلام دين موجه للناس كافة، بينما نزل القرآن الكريم باللغة العربية فقط، ما يجعل وصوله إلى غير العرب أمرًا غير مبرر - حسب زعمهم - ويترتب عليه ظلم لغير العرب الذين لم يفهموا لغة الوحي.
وفي إجابته، أكد الدكتور محمد أن هذه الدعوى تفتقر إلى الفهم الصحيح لطبيعة الرسالة الإسلامية، موضحًا أن الإسلام نزل للناس كافة، وأنه من الطبيعي أن يكون خطاب الله بلغة القوم الذين بعث فيهم النبي أولًا، ليفهموا الرسالة وتقوم عليهم الحجة، ثم يحملونها إلى غيرهم بلغات شتى.
وقال الباحث: "لا شك بالنسبة لنا كمسلمين أن الإسلام دين عالمي، أنزله الله للناس كافة بمختلف لغاتهم وأجناسهم ليهتدوا به، كما قال تعالى: (وما أرسلناك إلا كافةً للناس بشيرًا ونذيرًا ولكن أكثر الناس لا يعلمون). وكان من الطبيعي أن ينزل الله القرآن بلغة القوم الذين يعيش بينهم رسوله، ليبدأ بدعوتهم ويكون القرآن عليهم حجة، ثم ينتشر من خلالهم إلى الناس كافة".
وأشار الدكتور محمد إلى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بعد تمكن الإسلام وازدياد أتباعه، أرسل رسله إلى ملوك العالم آنذاك من أمثال كسرى وقيصر والنجاشي برسائل مختومة بخاتمه، حملت في طياتها دعوة مباشرة للدخول في الإسلام. وأضاف: "كان اختيار النبي لسفرائه قائمًا على مواصفات خاصة ربّاهم عليها، فكانوا أهل علم وفصاحة وحكمة وشجاعة وحسن تصرف ومظهر لائق".
وضرب الباحث أمثلة لهؤلاء الرسل، فقال: "أرسل دحية الكلبي إلى الروم لحسن مظهره وفراسته وعلمه بهم، وأرسل عبد الله بن حذافة إلى كسرى عظيم الفرس، وأرسل حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس بمصر، وكان له علم بالنصرانية كما جاء في كتاب الإصابة لابن حجر".
ولفت الدكتور محمد إلى أن وجود مترجمين لدى الملوك آنذاك كان أمرًا شائعًا، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لديه من الصحابة من يتعلم لغات الأقوام الأخرى لأجل الترجمة والرد على الرسائل. واستدل على ذلك برواية الترمذي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كلمات من كتاب يهود، وقال: إني والله ما آمن يهود على كتابي، فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له".
وفي محور ثانٍ، أكد الباحث أن اللغة العربية تمتاز بقوة فريدة، ولذلك اختارها الله عز وجل لآخر كتبه. واستشهد بكلام عدد من المستشرقين واللغويين الغربيين الذين أقروا بثراء اللغة العربية وقدرتها الفائقة على التعبير. وقال: "القرآن نزل بأقوى لغات العالم وأكثرها ثراءً، وشهادة غير العرب على تفرد اللغة العربية حجة معتبرة".
ونقل عن روفائيل بتي، وهو يتحدث تسع لغات، قوله: "من بين اللغات التي أعرفها، ليس هناك لغة تقترب من العربية في طاقتها البيانية وقدرتها على التأثير المباشر في المشاعر والأحاسيس"، وكذلك استشهد بكلام المستشرق ريتر أستاذ اللغات الشرقية بجامعة إسطنبول، الذي قال: "الكتابة العربية أسهل كتابات العالم وأوضحها".
كما أورد الدكتور محمد قول المستشرق الفرنسي إرنست رينان من كتابه "تاريخ اللغات السامية": "من أغرب المدهشات أن تثبت تلك اللغة القوية وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحارى، ولم يعرف لها لا طفولة ولا شيخوخة".
وأكد أن المتحدث بالعربية قادر على تعلم أي لغة بسهولة ونطقها بشكل صحيح، بخلاف الأعاجم الذين يجدون صعوبة في نطق الحروف العربية بدقة، مما يؤثر أحيانًا على فهم المعاني.
وفي محور ثالث، فنّد الدكتور محمد زعم الظلم المزعوم لغير العرب بأن القرآن نزل بالعربية، مستشهدًا بالواقع الذي يُكذّب هذه الدعوى. وقال: "عدد المسلمين في العالم اليوم تجاوز المليارين، ومنهم أكثر من مليار ونصف من غير العرب، وهذا دليل قاطع على أن الرسالة قد وصلت إليهم وفهموها واعتنقوها".
وسرد الباحث أرقامًا دقيقة لتعداد المسلمين في عدد من الدول غير العربية، منها:
إندونيسيا: 200 مليون مسلم.
باكستان: 160 مليون مسلم.
بنغلاديش: 150 مليون مسلم.
تركيا: 73 مليون مسلم.
أفغانستان: 27 مليون مسلم.
الصين: أكثر من 100 مليون مسلم.
وأوضح أن كثيرًا من أعلام الإسلام الذين حملوا الرسالة وخلّدهم التاريخ لم يكونوا عربًا، ومنهم صلاح الدين الأيوبي الذي حرر بيت المقدس وكان كرديًا، وطارق بن زياد فاتح الأندلس وكان بربريًا، كما أن ثلاثة من أصحاب الكتب الستة في الحديث – البخاري، النسائي، وابن ماجه – لم يكونوا عربًا.
وفي ختام حديثه، وجه الدكتور محمد رسالة واضحة للمشككين، مؤكدًا أن من يزعم بطلان الإسلام لنزول القرآن بلغة واحدة ينسف بذلك كل الأديان والمذاهب الفكرية، إذ لا توجد رسالة سماوية نزلت بكل لغات العالم، ولا توجد نظرية إلحادية انطلقت من كل لغات الأرض.
وقال: "إن كان يعتقد أن ترجمات لاحقة كفيلة بإيصال المعنى في ديانته أو فكره، فإن الإسلام قد تُرجم وانتشر بنفس الطريقة، ووصل إلى كل أصقاع العالم، وهذا كافٍ لإبطال الشبهة من أساسها".